أقسام الفعل | فعلا التعجب
أقسام الفعل | فعلا التعجب
    |         |         |    

   التَّعجُّبُ: هو استعظامُ فعلِ فاعلٍ ظاهر المزية... ويكونُ بالفاظٍ كثيرةٍ، كقوله تعالى: {كيفَ تكفرون بالله! وكنتم أمواتاً فأحياكم}، وكحديث: "سُبحانَ اللهِ! المؤمن لا يَنجَسُ حيًّا ولا ميْتاً"، ونحو "للهِ دَرُّهُ فارساً! ولله أنت!" ونحو: "يا لك من رجل! وحَسبُكَ بخالدٍ رجلاً ونحو ذلك.. وكلُّ ذلك إنما يُفهمُ من قرينة الكلام، لا بأصل الوضع. والذي يُفهم التعجُّبَ بصيغته الموضوعةِ للتعجب، إنما هو "فعلا التعجب".
   وهُما صيغتانِ للتعجب من الشيءِ ويكونان على وزن: "ما أفعل" و "أفعِلْ بِ" نحو: "ما أحسنَ العِلم! وأقبِحْ بالجهل!".
   وتُسمى الصيغةُ الأولى (فعل التعجب الأوَّل)، والصيغةُ الثانية (فعل التعجبِ الثانيّ). وهما فعلان ماضيان. وقد جاءت الثانية منهما على صيغة الأمر، وليست بفعل أمرٍ... ومَدلولُ كلا الفعلين واحدٌ، وهو إنشاءُ التعجُّب.
شروط صوغهما
   فعلا التعجُّب، كاسم التفضيل، لا يُصاغان إلا من فعلٍ ثلاثي الأحرف، مُثبتٍ، متصرّفٍ، معلومٍ، تامٍّ، قابلٍ للتفضيل، لا تأتي الصفة المُشبَّهةُ منه على وزن "أفعلُ"؛ فلا يُبنيان مما لا فعل له. كالصخر والحمار ونحوهما. وشذّ قولهم. "ما أرجله!" فقد بنوه من الرجولية ولا فعلَ لها، ولا من غير الثلاثي المجرد. وشذّ قولهم، ما اعطاه للدراهم، وما أولاه للمعروف!"، بنوهما من "أعطى وأولى" وهما رباعيا الأحرف. وقولهم: "ما اتقاه! وما املاء القربة! وما أخصره!" بنوها من (اتقى وامتلاء واختُصر)، وهي خماسية الأحرف، وفي اختصر (بالبناء للمجهول) شذوذ وهو انه فعل مجهول. وكذلك لا يبنيان من فعل منفي، خشية التباس النفي بالاثبات، ولا من فعل مجهول، خشية التباس الفاعلية بالمفعولية. لأنك ان بنيته من (نُصر) المجهول، فقلت: (ما أنصره!) التمس الأمر على السامع، فلا يدري أتتعجب من نصره أم من منصوريته. فإن أمن اللبس بأن كان الفعل مما لا يرد إلا مجهولا، نحو: (زُهِي علينا، وعُنيت بالأمر) جاز التعجب به على الأصح، فتقول: (ما أزهاه علينا وما أعناه بالأمر!) ولا يبنيان من فعل ناقص. ككان وأخواتها، وكاد واخواتها. واما قولهم: "ما أصبح أبرَدَها! وما أمسى أدفأها!" ففعل التعجب إنما هو أبرد وأدفأ" وأصبح وأمسى زائدتان، كما تزاد (كان) بين (ما) وفعل التعجب؛ غير أن زيادتهما نادرة، وزيادتها كثيرة، ولا يبنيان مما لا يقبل المفاضلة. كمات وفني، إلا أن يراد بمات معنى البلادة، فيجوز نحو: "ما أمْوت قلبه!". ولا مما تأتي الصفة المشبهة منه على وزن (أفعلَ) كأحمرَ وأعرجَ وأكْحل وأشيب وشذ قولهم: (ما أهوجه، وما أحمقه وما أرعنه! لأن الصفة منها هي أهوج وأحمق وأرعن).
   وإذا أردتَ صوْغَ فِعلي التعجب مما لم يستوف الشروط، أتيت بمصدره منصوبا بعد "أشدّ" أو "أكثر" ونحوهما، ومجروراً بالباءِ الزائدة بعد "أشدِدْ" أو "أكثرْ" ونحوهما، تقول: "ما أشدَّ إيمانهُ، أَو ابتهاجَهُ، أَو سوادَ عينيه!"، وتقول: "أَبْلِغ بعورِه، أَو كحلهِ، أَو اجتهاده!".
صيغة (ما أفعله!)

يَلي صيغةَ "ما أفعلَ" في التعجُّبِ المُتعجَّبُ منه منصوباً على المفعولية لأفعل... والهمزةُ في "ما أفعلَ" للتَّعدية. فمعنى قولك: "ما أجملَ الفضيلةَ": شيءٌ جعلها جميلةً، كما تقولُ: "أمرٌ أقعدَهُ وأقامه!"، تريدُ أنَّ قُعودَه وقيامَهُ لم يكونا إلاّ لأمرٍ. ثمَّ حُملَ الكلامُ على معنى التعجب، فجرى مَجرى المَثل، فلزِمَ طريقاً واحدةً في التعبير.

   و(ما) اسمٌ نكرةٌ تامةٌ بمعنى "شيءٌ"، وقيلَ: هي (ما) الاستفهاميةُ خرجت عن معناها إلى معنى التعجب. (وعلى كل فهي في موضع رفع على الابتداء. وجاز الابتداء بها مع أنها نكرة، لتضمنها معنى التعجب. والفعل بعدها فعل ماض للتعجب، وفاعله ضمير مستتر وجوباً يعود إليها. والمنصوب مفعوله. والجملة في محل رفع المبتدأ الذي هو (ما).
   و(ما) النكرة التامة، هي التي تكون مكتفية بنفسها، فلا تحتاج أي صلة أو صفة، نحو: "أَكرم رجلا ما". ومنه المثل: "لأمر ما جدع قصير أنفه". ومنها (ما) قبل فعل التعجب؛ فإن احتاجت (ما) إلى جملة توصل بها فهي، معرفة موصولة. نحو: "افعل ما تراه خيراً": وإن احتاجت إلى ما توصف به من مفرد أو جملة، فهي نكرة موصوفة، نحو: "اعمل ما نافعاً للأمة" اي: شيئاً نافعاً لها، ونحو: "اعمل ما من الأمور ينفع"، اي: "شيئاً من الأمور نافعاً"، فجملة (ينفع) في موضع نصب نعت لما.
   وتُزادُ (كان) كثيراً بين (ما). وفعلِ التعجب، نحو: "ما (كان) أعدَلَ "عمَرَ!" ومنهُ قولُ الشاعر:
*ما (كانَ) أَسْعَدَ مَنْ أَجابكَ آخِذاً * بِهُداكَ، مُجْتَنِباً هَوىً وعِنادا*
   وقول الآخر:
*حَجَبَتْ تَحِيَّتَها، فقلتُ لصاحبي: * ما كانَ أَكثرها لنا وأَقَلّها!*


   (فكان: تامة رافعة ما بعدها على الفاعلية و (ما): مصدرية والفعل بعدها في تأويل مصدر منصوب على انه مفعول به لفعل التعجب والمصدر المؤول هو المتعجب منه فإنه أردت الاستقبال قلت: "ما أحسن ما يكون البدر ليلة الغد".
صيغة (أفعل به!)

   كما يَلي المُتعجَّبُ منهُ صيغةَ "ما أفعَلَ"، منصوباً على المفعولية، يلي صيغة "أفعِلْ" المُتعجَّبُ منه، مجروراً بباءٍ زائدةٍ لفظاً، مرفوعا على الفاعلية مَحلاًّ.
ويبقى الفعل بلفظٍ واحد للجميع، تقول: "يا رجلُ أكرمْ بسعادَ! ويا رجلان ويا امرأتان أكرمْ بها! ويا رجالُ أكرمْ بها ويا نساء أكرِم بها!".
فقولُك: "أقبحْ بالجهل" أصله: أقبحَ الجهلُ" أي: صار ذا قُبحٍ. فالهمزةُ للصَّيرورة، كما قالوا: أغدَّ البعير"، أي صار ذا غُدَّةٍ. ثم أُخرِجَ عن لفظ الخبر إلى لفظ الأمر، لإفادة التعجُّب، كما أُخرِجَ الأمر بمعنى الدعاءِ عن لفظه إلى لفظ الخبر في قولهم: "رحمه الله، ويرحمك الله".
   والباء هنا زائدة في الفاعل، كما في: "كفى بالله شهيداً". وذلك أنه لما غُيِّرتْ صورة الماضي إلى الأمر، لإرادة التعجب، قَبُحَ إسنادُ صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر إسناداً صريحاً، فزيدت الباءُ في "أكرمْ" زيادةً مُلتزمة، ليكون على صورة المفعول به المجرور بحرف الجر الزائد لفظاً، كما في قوله تعالى: "ولا تُلقوا بأيدكم إلى التَّهلكة" وزيادتُها هنا بخلافها في فاعل "كفى" فهي غيرُ مُلتزمةٍ فيه، فيجوز حذفها، كما قال الشاعر:
*عُمَيْرَةً ودِّعْ، إِنْ تَجَهَّزْتَ عاديا * كفى الشَّيْبُ والإِسلامُ لِلمَرْءِ ناهيا*
   (وأما إعراب: "أقبح بالجهل، فأقبح: فعل ماض، جاء على صيغة الأمر، لإنشاء التعجب. وهو مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره السكون الذي اقتضته صيغة الأمر، والباء: حرف جر زائد، والجاهل: فاعل (أقبح) وهو مجرور لفظاً بالباء الزائدة، مرفوع محلا لأنه فاعل.


وقال الزمخشري في (المفصل) في قولهم: "أكرم بزيد": "إِنه أمر لكل أحد بأن يجعل زيداً كريماً"، اي: بأن يصفه بالكرم والباء مزيدة - مثلها في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} للتأكيد والاختصاص او هو أمر بأن يصيره ذا كرم والباء للتعدية هذا اصله ثم جرى مجرى المثل فلم يغير عن لفظ الواحد في قولك: يا رجلان اكرم بزيد ويا رجال اكرم بزيد) أهـ.
   فعلى هذا فمجرور الباء في موضع المفعول به لأنه في موضع الفاعل ويكون فاعل (اكرم) مستتراً تقديره انت مثله في كل امر للواحد وما هذا ببعيد وهو قول جماعة من العلماء غير الزمخشري كالفراء والزجاج وابن كيسان وابن خروف.
   (وثمرة الخلاف بين جعله أمرا صورة ماضياً حقيقة وجعله أمراً صورة وحقيقة أنه لو اضطرّ شاعر إلى حذف هذه الباء الداخلة على المتعجب منه لزمه أن ينصب ما بعدها على رأي الفراء ومن تابعه لأنه مفعول به وأن يرفعه على رأي الجمهور لأنه فاعل).
   ولا يجوزُ حذفُ الباءِ الداخلة على المُتعجَّب منه في نحو قولك: أجملْ بالفضيلة!"، وإن كانت زائدةً، لأنّ زيادتها مُلتزِمةٌ، كما قدَّمنا، إلا ان تكون قبل "أنْ وأنَّ"، فيجوز حذفُها، لاطِّراد حذف حرف الجرِّ قبلهما، كقول الشاعر:
*وقال نَبيُّ المُسْلمين: تَقَدَّموا * وأَحبِبْ إِلينا أَن يكون المُقَدَما*
أي: أحببْ إلينا بأن يكون المُقدَّم.


أحكام فعلي التعجب
   (1) لا يكون المُتعجَّبُ منه (منصوباً كان، أو مجروراً بالباءِ الزائدة) إلا معرفةً أو نكِرةً مُختصَّة، لتحصُل الفائدةُ المطلوبة، وهي التعجب من حال شخصٍ مخصوص فلا يُقالُ: "ما أحسنَ رجلاً!"، ولا أحسنْ بقائمٍ"، لعدم الفائدة. فإن قلت: "ما أحن رجلاً يفعلُ الخير!" و "أحسنْ بقائمٍ بالواجب!" جاز، لحصول الفائدة.
   (2) يجوز حذفُ المُتعجَّب منه - وهو المنصوب بعد "ما أفعلَ". والمجرورُ بالباءِ بعد "أفعلْ" - إن كان الكلام واضحاً بدونه، فالأول كقوله:


*جزى اللهُ عني، والجزاءُ بفضله، * بِيعةَ خَيراً، ما أَعفَّ وأَكْرما*
أي: "ما أعفَّهم! وما أكرمهم!" والثاني كقوله تعالى: "أسْمِعْ بهم! وأبصِرْ بِهمْ!، وقول الشاعر:
*أعزِزْ بنا وأَكْفِ! إن دُعِينا * يوماً إِلى نُصْرةِ مَنْ يَلِينا*
أي: وأكفِ بنا! والمعنى: ما أعزَّنا! وما أكفانا لهذاالأمر!.
   ويُشترَطُ في حذفه بعد "أفعِلْ" أن يكون معطوفاً على أفعِلْ آخرَ مذكورٍ معه مِثلُ ذلك المحذوف، كما رأيتَ في الآية الكريمة والبيت. ولا يجوز حذفه إن لم يكن كذلك. وشذَّ قول الشاعر:
*فَذَلك، إِن يَلْقَ الْمَنِيَّةَ يَلْقَها * حَمِيداً، وإِنْ يَسْتَغْنِ يوماً فَأَجْدِر*
أي: فأجدِرْ به أَن يستغنيَ!
   (3) إذا بُنيَ "فِعْلا التعجب" من مُعتل العين، وجب تصحيح عينهما، فلا يجوز إعلالها، نحو: ما أطوَلهُ! وأطوِلْ به!".
وكذلك يجبُ فَكُّ الإدغام في "أَفعِلْ"، نحو: أَعزِزْ علينا بأن تفارقَنا!" و "أشدِدْ بسوادِ عينيه!".
   (4) لا يُتصرَّفُ في الجملة التعجّبية بتقديمٍ ولا تأخيرٍ ولا فصل، إلا الفصلَ بين فعلِ التعجُّبِ والمتعجَّبِ منه بالظَّرف، أَو المجرور بحرف الجرّ (بشرط أَن يتعلقا بفعل التعجب)، أَو النداء، فالفصل بها جائز. فالفصلُ بالظرف نحو أَن تقول: "ما أَجملَ ليلةَ التَّمَ البدرَ!" ونحو قول الشاعر:
*أُقيمُ بِدارِ الحَزْمِ، ما دامَ حَزْمُها * وأَحرِ إِذا حالتْ، بأَن أَتحوَّلا*
   والفصلُ بالجارِّ والمجرور نحو: "أَحسنْ بالرجلِ أَن يصدُقَ! وما أَقبح أَن يَكذِبَ!"، ومنه: وأحببْ إلينا أن يكونَ المُقدِّما"، وقول الآخر:
*خَلِيلَيَّ، ما أَحْرَى بِذِي اللبِّ أَن يُرى * صَبوراً، ولكنْ لا سَبِيلَ إِلى الصَّبْر*
وقولُ عَمْرِو بن مَعد يكرِب نَثْراً: للهِ دَرُّ بني سُلَيم! ما أحسنَ في الهيجاء لِقاءَها! وأَكرمَ في اللَّزبات عَطاءها! وأثبت في المَكرمات بَقاءها!".


   والفصلُ بالنداءِ كقولِ أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلامُ): "أعزِزْ عليَّ، أبا اليقطَانِ، أن أراك صريعاً مُجدَّلا!".
   (5) إن تَعلَّق بِفعلَي التعجب مجرورٌ هو فاعلٌ في المعنى، جُر بإلى، نحو: "ما أحبَّ زُهيراً إلى أبيه!" ونحو: "ما أبغضَ الخائنَ إليَّ". ولا يكونُ هذا إلا إذا دَلَّ فعلُ التعجب على حُبٍّ أو بُغضٍ، كما رأيتَ.
   فإن كان في المعنى مفعولا، وكان فعلُ التعجب في الأصل مُتعدياً بنفسه، غير دالٍّ على عِلْمٍ أو جهلٍ، جُرَّ بالَّلام نحو: "ما أحب زُهَيراً لأبيه! وما أبغضَني للخائن! وما أكسبَني للخير!".
   فإن دلَّ على علمٍ أو جهلٍ جرَرْتُ المفعول بالباءِ،: نحو: "ما أعرفني بالحقِّ! وما أجهلَهُ بالصدق! وما أبصَرك بمواقع الصواب! وما أعلمَهُ بطرُقِ السّداد!".
   وإن كان فعلُ التعجب في الأصل مُتعدِّياً بحرف جر، جرَرتَ مفعولهُ بما كان يَتعدّى به من حرفٍ، نحو: "ما أغضبَني على الخائن! وماأارضاني عن الأمين! وما أمسكني بالصدق، وما أكثرَ إذعاني للحقّ".
   (6) وقد وَرَدَ تصغيرُ "ما أفعلُ" شُذوذاً، وهو فعلٌ لا يُصغّرُ، لأنَّ التصغير من خصائص الأسماءِ. غير أنه لما أشبهَ اسم التفضيل وزناً وأَصلا ودلالةً على المبالغة، سهلَ عليهم ذلك، كقوله:
*يا ما أَمَيْلَحَ غِزْلاناً، شَدَنَّ، لنا * مِنْ هؤُليّائِكُنَّ الضّالِ والسَّمُرِ*
قالوا: "ولم يُسْمعُ إلا في ما أملحَ، وما أحسن". غير أنه يجوز القياسُ على هذا الشُّذوذ، إِذا أريدَ به مع التعجب التَّحبُّبُ كما رأيتَ في البيت. وعليه يجوز أن تقول: ما أحَيلاهُ! وما أُدَيناهُ إِلى قلبي! وما أَطَيرِف حديثهُ! وما أُظيرِفَ مجلسه!"


جميع النصوص